صدى السمارة/السمارة
من يتأمل في القوانين العرفية الصحراوية يجد نفسه أمام منظومة تنظيمية محكمة، وضع أسسها رجال من خيرة أهل الصحراء، فجعلوا منها إطارًا ناظمًا للحياة الاجتماعية والسياسية والدينية. وقد تولت الجماعة أو ايت أربعين مهمة تطبيق هذه القوانين، وسهروا على إنزال العقوبات بحق المخالفين، بما يضمن الأمن والاستقرار في منطقة كانت، في غياب سلطة الدولة المركزية، عرضة للفوضى والنزاعات.
الجماعة، كما وصفها القاضي محمد سالم بن عبد الحي، كانت تقوم مقام الحاكم، وتفرض قوانينها كعادة ملزمة، فيما أشار ابن خلدون إلى أن قيام المجتمع واستمراره يتطلب وجود سلطة تحفظ تماسكه وتمنع تعدي بعض أفراده على بعض. وقد نجحت هذه الأعراف في ضبط المجتمع وردع المعتدين، بفضل قوانين واضحة وعقوبات صارمة، ما أكسب قادة تلك المرحلة احترامًا وفخرًا لدى الأجيال اللاحقة.
ومن أبرز الأمثلة على هذه القوانين، ما سنته قبيلة الرقيبات من عقوبات رادعة، مثل تغريم السارق بأربعة أمثال المسروق، ومعاقبة من يهدد بالسلاح أو يسيء للآخرين بغرامات وعطايا محددة، وصولًا إلى القتل في بعض الحالات التي تمس الشرف. كما شملت القوانين تنظيم الموارد المائية وحماية القضاء، ومعاقبة من يسيء للقاضي أو يمنع الحقوق.
هذا النجاح التنظيمي لم يمر دون اعتراف خارجي، إذ منحت السلطات الإسبانية سنة 1960 صبغة قانونية للأعراف الصحراوية في الساقية الحمراء ووادي الذهب، اعترافًا بأهميتها في نشر الأمن والعدل.
لقد أثبتت التجربة العرفية الصحراوية قدرتها على إدارة مجتمع واسع الأطراف بوسائل محلية نابعة من قيمه وثقافته، وهو إرث تاريخي جدير بالحفظ والدراسة، لما يحمله من دروس في التنظيم الذاتي وسيادة القانون.
بقلم: الأستاذ ابا الشيخ اباحيج